السبت، 13 فبراير 2010

رسول الحق والهدى


كان المجتمع في الجاهلية يعيش أبشع أنواع التخلف الأخلاقي والفكري والعملي على مستوى السلوك والعمل، فلقد كان الجهل هو الذي يسيطر على المجتمع في شبه الجزيرة العربية في ذلك الزمان .. إلى أن بعث الله برسوله الكريم ليخرج الأمة من الجهل إلى العلم والمعرفة .. ومن التخلف إلى النمو والازدهار، حتى بدأ المجتمع يتربى على أخلاق رسول الله "ص"، وعلى القيم والمبادئ الاسلامية سواء في مرحلة الدعوة السرية التي اتخدها الرسول في بداية نزول الوحي ،الذي أمر الرسول بالدعوة إلى رسالته وخاصة أن النبي كان يجلس لساعات طوال يتأمل في غار حراء، حتى نزل عليه جبرائيل يقول له :إقرأ، قال رسول الله(ص) قلت ما أقرأ، وقال له ثانية إقرأ، قال(ص) قلت ما أقرأ، وأعادها عليه ثالثة، فقال: {إقرأ بإسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* إقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم* علّم الإنسان ما لم يعلم}. فقرأها الرسول(ص) وبشّره جبرائيل أنه رسول الله(ص)، وجاء إلى خديجة(ع) يقص عليها ما جرى له، ثم بقى الوحي مدة منقطعًا عن رسول الله كما تقول الروايات، وهو يتأمل في غار حراء إلى أن نزل عليه جبرائيل وقال له :يامحمد أنت رسول الله حقًا .. فارتاح لذلك، وترك النداء أثراً عميقاً في نفسه، وسرت عنه مخاوفه وأخلد للنوم، وبينما هو غارق في النوم جاءه الملاك جبرائيل ليبلغه رسالة الوحي، فاستيقظ من نومه ليستمع إلى الوحي يقول له: {يا أيها المدثر* قم فأنذر* وربك فكبر* وثيابك فطهر* والرجز فاهجر* ولا تمنن تستكثر* ولربك فاصبر..}. حتى بدأ الرسول ينطلق في رسالته ويطرحها على الاقربون كـ زوجته خديجه وابن عمه الامام علي وآخرين من الصحابة، لكن بسبب سلطة قريش داخل مكة جعلت الدعوة في نطاقها السري قبل أن يجهر بها رسول الله ،حتى أن بعض المسلمين كانوا يذهبون إلى مناطق خارج المدينة من أجل اتمام الصلاة والتعبد لله وحده لاشريك له ..واستمرت الدعوة السرية حتى شعر المشركون ببعض الحركة من قبل رسول الله "ص" وبدأ المشركون في حركة المضايقة والمراقبة لرسول الله ،خاصه بعد أن أذن للرسول بالجهر بالرسالة {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} وقوله تعالى :{وأنذر عشيرتك الأقربين* واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}. وبدأ في مناقشة المشركين حول أساس العقيدة والتوحيد، لكن المشركين كانت قلوبهم تبتعد عن معرفة الحق وعقيدة التوحيد. ومن أجل أن يمتد الاسلام والرسالة بشكلها الصحيح، هاجر المسلمون إلى المدينة المنورة .. وكان من أبرز الأسباب التي جعلت اختيار الهجرة للمدينة المنورة هو وجود حاكم عادل ،وليس هناك خوف من أن يقمع هذا الحاكم عقيدة المسلمين ويستهدفهم .. ومن أول الأعمال التي قام بها رسول الله في المدينة المنورة هي بناء المسجد ليكون المكان الرئيسي في تعليم ونشر مبادئ الدين ، ثم عمل على صياغة وثيقة تنظم العلاقات في المجتمع ، خاصة في ظل وجود بعض اليهود داخل المدينة. وقام بعد ذلك بـ المؤاخاة بين المسلمين، حتى تهيأت الأسباب و الظروف لرسول الله بأن يبدأ في صياغة جيش المسلمين من أجل نشر الإسلام ومحاربة المشركين .. ولو سألنا أنفسنا : لماذا لم يحارب رسول الله "ص" المشركين قبل الهجرة وحاربهم بعد ذلك؟ نستطيع أن نستنتج أن رسول الله كان يريد صياغة عقيدة صحيحة للمسلمين في بداية الدعوة، حتى يتمكن من صياغة الانسان المسلم وفق الرؤية الرسالية الالهية، وهي الخلافة في الأرض، وهذا ماسعى إليه الرسول الكريم .. لكن بعد اختلاف الظروف أصبح من واجب الرسول إعداد الجيش وإعداد العدة من أجل حماية الاسلام {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو اللّه وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللّه يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل اللّه يوفَ إليكم وأنتم لا تظلمون} .. حتى أذن للرسول أن يحارب المشركين في غزوة بدر حيث كان المسلمين قلة أمام المشركين {أذِنَ للذين يقاتلون بأنَّهم ظلموا وإنَّ اللّه على نصرهم لقدير*} وقوله :{وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدين للّه}. حتى أنتصر المسلمون في بدر وبدأت قوة الاسلام تظهر وعاد المشركون مخذولين منكسرين يجرون أذيال الهزيمة ويتوعدون المسلمين .. حتى خاض المسلمون بعد ذلك الكثير من الغزوات كـ أحد والخندق وحنين وتبوك، واستطاع رسول الله من خلال الحوار بين المشركين والمسلمين والرسائل والحروب أن يثبت دعائم الاسلام .. لكن السؤال الذي يطرح هل أن رسول الله استطاع أن يثبت دعائم وأركان الاسلام من خلال الحرب فقط أو إن هناك الكثير من الوسائل وأبرزها الحوار مع المشركين .. حيث تروي الروايات أن رسول الله كان ينادي المشركين حتى اجتمعوا، ومن لم يستطع أن يخرج إليه أرسل رسولاً لينظر ما يريد، فاجتمع إليه منهم حوالي الأربعين، فقال النبي(ص): أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ فقالوا: بلى والله، لأنّا ما جربنا عليك كذباً، قال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبّاً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله تعالى عليه{تبت يدا أبي لهب وتب* ما أغنى عنه ماله وما كسب* سيصلى ناراً ذات لهب* وامرأته حمّالة الحطب* في جيدها حبل من مسد}. كان الرسول يعامل المشركين بالرفق في دعوته حيث دعاهم بمنطق العقل والخطاب العقلاني {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} لكن المشركون كانو يؤذون رسول الله ويعاملونه بجفاء ويلحقون به الاذى، لكن الرسول دعا ربَّه: "اللّهمَّ إليك أشكو ضعف قوّتي، وقلّة حيلتي وهواني على النّاس ... يا أرحم الراحمين، أنت ربّ المستضعفين وأنت ربّي، إلى من تكلني؟! إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدوٍ ملكته أمري؟! إن لـم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أبالي" . وهكذا عاد رسول الله إلى رسالته بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى انتشر الاسلام وبقت عقيدة التوحيد هي الديانة الحقة في شبه الجزيرة العربية، لكن بقى أمر واحد يجب على رسول الله ان يبلغه لـ اكمال الاسلام ..{يا أيُّها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربِّك وإن لـم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس} حيث نادى في حجة الوداع أمام جمع حاشد من المسلمين قال: ((اللّه مولاي وأنا ولي كلّ مؤمن ومؤمنة)) وأخذ بيد عليّ (ع) وقال: ((من كنت مولاه فهذا عليّ وليه، اللّهمَّ والِ من والاه وعادِ من عاداه)). حتى بارك له أغلب الصحابة، حتى من غصب منه خلافته ..ثم أنزل اللّه تعالى : {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} .

هناك تعليق واحد:

  1. أنارت الدنيا بنور الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله، فكم من الظلامات والمحرمات التي كانت سائدة في عصر الجاهلية، أزالها الله بنور حبيبه ، فجاء لينير دروبنا، ويستنقذنا من ظلام الجهل، فكان رحمة للعالمين جميعًا. وكم قاسى قلب المصطفى من آلام وغصص هذه الأمة، حتى قال (ص): "ما أوذي نبي مثلما أوذيت."
    فسلام الله عليك يا رسول الله وعلى أخل بيتك الطاهرين.

    ردحذف